فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: يعني: يسلم بعضهم على بعض.
ويقال: يسلمون على الله تعالى.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} يعني: جزاءً حسنًا في الجنة.
ويقال: مساكن في الجنة حسنة.
قوله عز وجل: {كَرِيمًا يا أيها النبى إِنَّا أرسلناك شَاهِدًا} يعني: شهيدًا على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشّرًا} بالجنة لمن أطاع الله في الآخرة وفي الدنيا بالنصرة {وَنَذِيرًا} من النار يعني: مخوفًا لمن عصى الله عز وجل: {وَدَاعِيًا إِلَى الله} يعني: أرسلناك داعيًا إلى توحيد الله ومعرفته {بِإِذْنِهِ} يعني: بأمره {وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} يعني: أرسلناك بسراج منير، لأنه يضيء الطريق.
فهذه كلها صارت نصبًا لنزع الخافض.
ثم قال عز وجل: {وَبَشّرِ المؤمنين} يعني: بشّر يا محمد المصدقين بالتوحيد {بِأَنَّ لَهُمْ مّنَ الله فَضْلًا كِبِيرًا} في الجنة.
وذلك أنه لما نزل قوله عز وجل: {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صراطا مُّسْتَقِيمًا} [الفتح: 20] فقال المؤمنون: هذا لك.
فما لنا؟ فنزل قوله تعالى: {بَشِّرِ المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138] في الجنة فلما سمع المنافقون ذلك قالوا فما لنا فنزل و{بَشِّرِ المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138].
ثم رجع إلى ما ذكر في أول السورة فقال تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين} من أهل مكة {والمنافقين} من أهل المدينة {وَدَعْ أَذَاهُمْ} أي: تجاوز عن المنافقين، ولا تقتلهم.
ويقال: ودع أذاهم يعني: اصبر على أذاهم.
وإن خوفك شيء منهم فتوكل على الله يعني: فوض أمْرك إلى الله.
وروى الأعمش عن سفيان بن سلمة عن ابن مسعود.
وقال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمة.
فقال رجل من الأنصار: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.
فأخبر بذلك، فاحمر وجهه، فقال: «رَحِمَ الله أخِي مُوَسى عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبَر».
ثم قال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلًا} يعني: حافظًا نصيرًا.
وقوله عز وجل: {وَكِيلًا يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} قرأ حمزة والكسائي {تماسوهن} وقرأ الباقون {لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} مثل الاختلاف الذي ذكرنا في سورة البقرة {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} يعني: ليس للأزواج عليهن عدة {تَعْتَدُّونَهَا} وإنما خصّ المؤمنات، لأن نكاح المؤمنات كان مباحًا في ذلك الوقت.
فلما أحلّ الله تعالى نكاح الكتابيات، صار حكم الكتابية وحكم المؤمنة في هذا سواء إذا طلقها قبل أن يخلو بها لا عدة عليها بالإجماع.
وإن طلقها بعد ما خلا بها، ولم يدخل بها فقد روي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: لا عدة عليها.
وقال عمر وعلي ومعاذ وزيد بن ثابت وجماعة منهم رضي الله عنهم أن عليها العدة، وهو أحوط الوجهين، أنه إذا خلا بها ولم تكن المرأة حائضًا، ولم يكن أحدهما مريضًا، ولا محرمًا ولا صائمًا صوم فرض، يجب على الزوج المهر كاملًا، وعليها العدة احتياطًا.
وأما إذا كانت المرأة حائضًا أو مريضة أو محرمة أو صائمة عن فرض أو الرجل مريض أو صائم عن فرض أو محرم فطلقها بعد الخلوة قبل الدخول، فعليه نصف المهر، وعليها العدة احتياطًا.
ثم قال: {فَمَتّعُوهُنَّ} يعني: متعة الطلاق ثلاثة أثواب وهي مستحبة غير واجبة {وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} يعني: خلوا سبيلهن تخلية حسنة وهو أن يعطيها حقها.
قوله عز وجل: {جَمِيلًا يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك} يعني: نساءك {يا أيها النبى إِنَّا} يعني: أعطيت مهورهن، لأن غيره كان له أكثر من أربع نسوة أمره أن يترك ما زاد على الأربع، وقد أحلّ للنبي صلى الله عليه وسلم إمساك التسع ولم يأمره بالفرقة.
{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يعني: أحللنا لك من الإماء مثل مارية القبطية {مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ} من الغنيمة يعني: أعطاك الله كقوله تعالى: {مَّآ أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاغنياء مِنكُمْ وَمَآ ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الحشر: 7].
ثم قال: {وَبَنَاتِ عَمّكَ} يعني: أحللنا لك نكاح بنات عمك {وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} يعني: هاجرن معه من مكة إلى المدينة أو قبله أو بعده.
ثم قال: {وامرأة مُّؤْمِنَةً} يعني: أحللنا لك امرأة مؤمنة {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} صلى الله عليه وسلم وقرأ الحسن {إِن وَهَبَتْ} بنصب الألف ومعناه إذا وهبت ويكون ذلك الفعل خاصة لامرأة واحدة.
وقراءة العامة إن بالكسر فيكون معناه لكل امرأة إن فعلت ذلك في المستقبل.
قال مقاتل: وذلك أن أم شريك وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم بغير مهر كذا قال الكلبي.
وروى معمر عن الزهري في قوله: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} قال: بلغنا أن ميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ووهبت سودة يومها لعائشة رضي الله عنها وروى وكيع عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي وعمرو بن الحكم، وعبد الله بن عبيدة قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشر امرأة.
ستة من قريش.
خديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية.
وثلاثًا من بني عامر، وامرأتين من بني هلال ميمونة بنت الحارث وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
وزينب أم المساكين، وامرأة من بني بكر وهي التي اختارت الدنيا.
وامرأة من بني الحزن من كندة وهي التي استعاذت منه.
وقال يحيى بن أبي كثير تزوج أربعة عشر.
خديجة وسودة وعائشة.
تزوج هؤلاء الثلاث بمكة.
وتزوج بالمدينة زينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وجويرية من بني المصطلق.
وميمونة بنت الحارث، وصفية بنت حيي بن أخطب، وزينب بنت جحش وكانت امرأة زيد بن حارثة، وعالية بنت ظبيان، وحفصة، وأم حبيبة، والكندية، وامرأة من كلب.
وروى الزهري عن عروة قال: لما دخلت الكندية على النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ بالله منك.
فقال: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك».
ثم قال عز وجل: {إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا} يعني: أن يتزوجها بغير صداق {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين} يعني: خالصًا للنبي صلى الله عليه وسلم بغير مهر، ولا يحل لغيره.
وقال الزهري: الهبة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ولا تحل لأحد أن تهب له امرأة نفسها بغير صداق.
وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لم تحل الموهوبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
واختلف الناس في جواز النكاح.
قال أهل المدينة باطل.
وقال أهل العراق: النكاح جائز، ولها مهر مثلها.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أجاز ذلك.
وروى هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن خولة بنت حكيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من المهاجرات الأول.
وقال القتبي: العرب تخبر عن غائب، ثم ترجع إلى الشاهد فتخاطبه، كما قال هاهنا: {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىّ} بلفظ الغائب ثم قال: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين}.
ثم قال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} يعني: ما أوجبنا عليهم {فِى أزواجهم} يعني: في أن لا يتزوجوا إلا بالمهر.
ويقال: إلا أربعًا {وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم} ويقال: يعني إلا ما لا وقت فيهن {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} في الهبة بغير مهر.
وفي الآية ومعناه: أنا أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم لكي لا يكون عليك حرج.
ثم قال: {وَكَانَ الله غَفُورًا} يعني: غفورًا فيما تزوج قبل النهي {رَّحِيمًا} في تحليل ذلك. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله: {وَمَن يَقْنُتْ} يطع.
قال قتادة: كلّ قنوت في القرآن فهو طاعة وقراءة العامة {تقنت} بالتاء وقرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف {تَعمَل} {نِؤْتِها} بالياء. غيرهم بالتاء.
قال الفراء: إنّما قال: {يأتِ} {ويقنت} لاِنّ مَنْ أداة تقوم مقام الاسم يعبّر به عن الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث. قال الله تعالى: {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: 43]. وقال: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42]، وقال: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ} [الأحزاب: 31]. وقال الفرزدق في الاثنين:
تعال فإنْ عاهدتني لا تخونني ** تكن مثل من يا ذئب يصطحبانِ

{مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي مثلَي غيرهن من النساء.
{وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} يعني الجنّة.
أخبرني أبو عبدالله بن فنجويه، عن عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك، عن محمد بن عمران بن هارون، عن أحمد بن منيع، عن يزيد، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت عن أبي رافع قال: كان عمر يقرأ في صلاة الغداة بسورة يوسف والأحزاب، فإذا بلغ: {يانساء النبي} رفع بها صوته، فقيل له، فقال: أُذكّرهنّ العهد.
واختلف العلماء في حكم التخيير، فقال عمر وابن مسعود: إذا خيّر الرجل امرأته فاختارت زوجها فلا شيء عليه، وإنْ اختارت نفسها طُلّقت وإلى هذا ذهب مالك.
وقال الشافعي: إنْ نوى الطلاق في التخيير كان طلاقًا وإلاّ فلا. واحتجّ مَنْ لم يجعل التخيير بنفسه طلاقًا، بقوله: {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} وبقول عائشة: خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه، فلم نعدّهُ طلاقًا.
قوله: {يانساء النبي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النساء إِنِ اتقيتن} الله فأطعتنه. قال الفرّاء: لم يقل كواحدة، لأنّ الأحد عام يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنث. قال الله تعالى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285] وقال: {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47].
{فَلاَ تَخْضَعْنَ} تلنَّ {بالقول} للرجال {فَيَطْمَعَ الذي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي فجور وضعف إيمان {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} صحيحًا جميلًا.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بفتح القاف. غيرهم بالكسر، فَمَن فتح القاف فمعناه واقررن، أي الْزَمن بيوتكنّ، من قولك قررتُ في المكان، أقرّ قرارًا. وقررتُ أقرُّ لغتان فحذفت الراء الأُولى التي هي عين الفعل ونقلت حركتها إلى القاف فانفتحت كقولهم في ظللت وظلْت.
قال الله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97] والأصل ظللت فحذفت إحدى اللاّمين، ودليل هذا التأويل قراءة ابن أبي عبلة واقررن بفتح الراء على الأصل في لغة من يقول: قررت أقرّ قرارًا.
وقال أبو عبيدة: وكان أشياخنا من أهل العربية ينكرون هذه القراءة وهي جائزة عندنا مثل قوله: {فَظَلْتُمْ} [الواقعة: 65] ومن كسر القاف فهو أمر من الوقار كقولك من الوعد: عِدن ومن الوصل صِلن، أي كنَّ أهل وقار أي هدوء وسكون وتؤدة من قولهم: وقر فلان يقر وقورًا إذا سكن واطمأن.
أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري قال: أخبرني أبو بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدّثني أبي، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش عن أبي الضحى قال: حدّثني من سمع عائشة تقرأ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فتبكي حتّى تبلّ خمارها.
أخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن خالد، عن داود بن سليمان، عن عبد الله بن حميد، عن يزيد بن هارون، عن هشام، عن محمد قال: نُبئت أنَّه قيل لسودة زوج النبي عليه السلام: مالكِ لا تحجّين ولا تعتمرين كما يفعلنَّ أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله تعالى أنْ أقرَّ في بيتي، فوالله لا أخرج من بيتي حتّى أموت.
قال: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها. قوله: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ}.
قال مجاهد وقتادة: التبرّج التبختر التكبّر والتغنّج وقيل: هو إظهار الزينة وإبراز المحاسن للرجال {تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى} واختلفوا فيها. قال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمّد عليهما السلام. أبو العالية: هي زمن داود وسليمان وكانت المرأة تلبس قميصًا من الدرّ غير مخيط الجانبين فيرى خلفها فيه.
الكلبي: الجاهلية التي هي الزمان الذي فيه ولد إبراهيم عليه السلام، وكانت المرأة من أهل ذلك الزمان تتّخذ الدّرع من اللؤلؤ فتلبسه ثمّ تمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال، وكان ذلك في زمان نمرود الجبّار، والناس حينئذ كلّهم كفّار. الحكم: هي ما بين آدم ونوح ثمانمائة سنة، وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان. فكانت المرأة تريد الرجل على نفسها.
وروى عكرمة عن ابن عبّاس أنّه قرأ هذه الآية فقال: إنّ الجاهلية الأُولى فيما بين نوح وإدريس عليهما السلام، وكانت ألف سنة، وإنّ بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صِباحًا وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صِباحًا وفي الرجال دمامة، وإنّ إبليس أتى رجلًا من أهل السهل في صورة غلام، فآجَرَ نفسه منه، فكان يخدمه، واتّخذ إبليس شيئًا مثل الذي يزمر فيه الرّعاء، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك مَن حولهم، فانتابوه يستمعون إليه، واتّخذوا عيدًا يجتمعون إليه في السنة، فتتبرّج النساء للرجال وتتزيّن الرجال لهنّ، وإنّ رجلًا من أهل الجبل هجم عليهم، وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحوّلوا إليهم فنزلوا معهم، فظهرت الفاحشة فيهنّ.
فهو قول الله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية}.